الوضع المظلم
الأحد ١٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الاتفاق النووي الإيراني.. ماذا بعد؟
 سعد عبد الله الحامد

لقد كان الهدف من المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، التي بدأت قبل سنة ونصف وتم تعليقها ثم استئنافها في أغسطس، إعادة إحياء هذا الاتفاق الذي عقد عام 2015 مع طهران من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا)، بالإضافة إلى ألمانيا.

حيث عقدت إيران والدول الست (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) مفاوضات مطولة من 26 مارس لغاية أبريل 2015 في مدينة لوزان السويسرية، لأجل التوصل لتسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني ولرفع العقوبات عن إيران بشكل تام.

وعقد الاتفاق فعلاً، وبعد مفاوضات طويلة توصلت إيران والدول الست في أبريل 2015 إلى بيان مشترك يتضمن تفاهمات فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ليتم إنجازه في يونيو 2015، واعتبرت طهران أن هذا الاتفاق تقدم كبير يخدم الجميع فيما وصفته واشنطن بالتاريخي خلال فترة رئاسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما واختلفت بشأن هذا القرار ردود أفعال دول العالم بين أطراف اعتبرته تاريخياً، بينما عارضته دول أخرى واعتبرته خطيراً جداً، وقد انسحبت الولايات المتحدة في عام 2018 بسبب عدم سلمية البرنامج النووي وفقاً للعديد من تقارير وكاله الطاقة الذرية وخروقات تخصيب اليورانيوم من الجانب الإيراني ومنع مفتشي الوكالة من التفتيش والتأكد من سلمية البرنامج النووي الإيراني.

وقال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إن طهران استغلت الاتفاق في دعم الإرهابيين وبناء صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وشكلت فوضى في منطقة الشرق الأوسط، ويرى حالياً مؤيدو عودة الاتفاق النووي من جديد مع إيران أنه سيمكّن من تجميد برنامج طهران النووي ويفتح المجال لواشنطن وحلفائها لمواجهة أنشطة الصين "العدائية المتزايدة" في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وكذلك روسيا في منطقة بحر القرم، لكن البعض يري أنه قد يأتي بنتائج عكسية في حال توصل الأطراف لاتفاق ضعيف وقصير الأجل مما قد يعزز من قوة إيران النووية ويعني مزيداً من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والمحيطين الهندي والهادي، ويرى بعض المراقبين أنه قد يمكن الصين أيضاً من تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط حيث إن إيران عانت من عزلة دبلوماسية واقتصادية بسبب العقوبات الدولية التي ترزح تحت وطأتها منذ سنوات عديدة، وسعت للحصول على الدعم من بعض البلدان لفك عزلتها، ومن بينها الصين، التي أصبحت في السنوات الأخيرة الشريك التجاري الأول ووجهة مهمة لصادراتها من الطاقة ومستثمراً رئيساً في قطاع الصناعة الإيراني.

فقد أعطت صادرات النفط للصين الذي تشتريه الشركات الصينية في انتهاك للعقوبات الدولية طوق نجاة لطهران المحاصرة اقتصادياً ومهدت الشراكة بوصول غير محدد لاحتياطيات الغاز الطبيعي والنفط الإيراني، وهما ثاني ورابع أكبر احتياطيات في العالم على التوالي، مما يؤمن احتياجات الصين الكبيرة من الطاقة النووية، هذا بالإضافة إلى أهمية قرب إيران الجغرافي من طرق الشحن التجارية الرئيسة مما قد يساعد بكين لإحياء مشروع "الحزام والطريق" مستقبلاً، ويعد الاقتصاد وتسهيل الوصول للنفط والغاز الإيرانيين دافعاً للشراكة الصينية والإيرانية اليوم التي تمارس فيها بكين نفوذاً كبيراً على طهران، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الإيراني المتردي جداً والتضخم الذي بدأ يسبب هاجساً للنظام أمام مواطنيها برغم رفع بعض حزم من العقوبات الاقتصادية على طهران، والتي فرضت من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في إطار استراتيجية الضغط القصوى على الاقتصاد الإيراني سابقاً وانعكاسات جائحة كورونا وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية التى ألقت بظلالها أيضاً من خلال ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار النفط وعدم استجابة منتجي أوبك لزيادة ضخ النفط لضمان استقرار السوق العالمي مما شكل هاجساً لواشنطن وأوربا وانعكس بشكل مباشر على الداخل الأمريكي أيضاً والمواطن الأمريكي والانتخابات النصفية القادمة الأمريكية بشكل واضح، وعلى شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن والحزب الديمقراطي، ولعل مستويات التضخم التي بدأت تعصف ببورصة الأسهم الأمريكية دليل واضح على ذلك في ظل مخاوف قطع إمدادات الغاز عن أوربا من الجانب الروسي وقرب فصل الشتاء، وهذا يبرر الرغبة الملحة من برلين وباريس ولندن  لإنجاح مساعي إبرام الاتفاق النووي وخطة العمل الشاملة بين واشنطن وطهران ولقناعة واشنطن بأهمية عودة النفط الإيراني ليحل محل النفط الروسي، وبالتالي تخفيض أسعار النفط والضغط بشكل أكبر على الاقتصاد الروسي أيضاً إلى جانب الدعم العسكري لأوكرانيا في حربها مع روسيا إضافة إلى قناعة واشنطن بأن الحلول العسكرية مع إيران ليست مطروحة في الوقت الحالي برغم ما يشكله البرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية من أخطار على المنطقة.

وقد أكد منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أن الاتفاق النووي الإيراني لن يروق لروسيا إبرامه من جديد لأنه يمثل خطراً على النفط الروسي، وعلى الجانب الآخر نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن رئيس الموساد أن واشنطن تسارع لتوقيع الاتفاق النووي وهي تعرف أنه كذب مطلق ويتعارض مع العقل، كما أن أي اتفاق لن يعيد قدرات إيران إلى الوراء ولن يتركها مقيدة لسنوات عدة قادمة وذلك من شأنه أن يضر الأمن العالمي والإقليمي.

ولعل حرص واشنطن لإيجاد استقرار أكبر في منطقة الخليج لحلفائها ضد التهديدات الإيرانية، هو جانب آخر يصعّب من مهمة واشنطن لإبرام هذا الاتفاق مع سقف المطالبات الإيرانية المتصاعدة خلال جولات المفاوضات مع واشنطن، فرغبة طهران في امتلاك برنامج نووي هو أمر محسوم وواضح من خلال أنشطتها ودفاعها عن سلمية هذا البرنامج وعدم رغبتها في مناقشة برنامجها الصاروخي أو إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية وعدم رغبة مناقشة ما يتعلق بوجود أي أدلة سابقة لدى وكالة الطاقة الذرية على تخصيب اليورانيوم خلال تفتيش المنشأة النووية الإيرانية مؤشر يثير قلق الجميع حول مصداقية طهران حول برنامجها النووي، ومما لا شك فيه أن عودة السيولة النقدية إلى طهران والتدفقات النقدية بعد عقد الاتفاق يمثل أيضاً هاجساً آخر باستمرارها في استراتيجية دعم وكلائها بالنيابة في العراق ولبنان واليمن وسوريا واستمرارها فى سلوكها العدواني تجاه دول الجوار.

وباعتقادي إن طهران ترغب بتحقيق مكاسب أكبر وتنازلات أكبر من واشنطن والغرب قبل إبرام الاتفاق وتلعب على عامل الوقت أيضاً لعدم الإضرار بمصالحها مع روسيا أيضاً في حال إبرام الاتفاق النووي بشكل تام ولذلك ستستمر جولات المفاوضات. 

 

ليفانت - سعد عبد الله الحامد
 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!